وهل المهدي إلا الحب ؟!

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) عندما سئل عن الحب : " وهل الدين إلا الحب" ، نعم هو كذلك خصوص إذا ما تأملنا أهداف وتعاليم الإسلام وقارناها بفعال رجال الإسلام المخلصين ، لعرفنا أنهم تطبيقا حقيقيا للآية الكريمة في سورة الفتح إذ يقول الله جل جلاله : " مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانً " فهذا الدين هو دين الحب والعشق الإلهي ، فحتى الهدف الذي رسمته الآية للمؤمنين هو فضل ورضوان الله لا الطمع في الجنة والخوف من النار إذ يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) : " إلهي ماعبدتك خوفاً من نارك ، ولاطمعاً في جنتك ، لكني وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك " .

إن أهل البيت (عليهم السلام) كانوا مصداقا لهذه الآية الكريمة والتي وردت بمعناها في التوراة والإنجيل ، إذ هم مصاديق الرحمة الإلهية على البشرية في كل تحركاتهم ، ولعل التاريخ زاخر في سرد قصص الآل في تعاملهم مع الفقراء والمساكين ، وكذلك مع الآخر من أهل الكتاب وغيرهم ، وكذلك حينما تولى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) الأمة كيف كان تعامله مع الرعية وهو القائل في عهده لمالك الأشتر النخعي (رضوان الله تعالى عليه) " وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم " وعهده لمالك الأشتر هو الوثيقة الإنسانية الأسمى للحكم الصالح بما تحويه من مبادئ إنسانية تتوافق ومنهج الرحمة والمحبة الإسلامي .

وبالتركيز على اسلوبهم الدعوي فقد كان عمليا قبل أن يكون بالكلام ، فهم النموذج الأسمى للإسلام كما نزل على صدر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فالإنسان القدوة لا يكون بالكلام فقط ، فكلامهم مقرون بالفعل بل ويكون دعوة للإقتداء بالفعل ، أي أن كل ما نطق به الآل الكرام ترجموه فعالا ، إذ يمقت الله اختلاف القول عن الفعل إذ قال جل جلاله في سوره الصف : " كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ " ، وقد قيل في الشعر " لا تنه عن خلق وتأت بمثله .. عار عليك إذا فعلت عظيم " .

أما في الحوار فهم – أي آل البيت (عليهم السلام) – ترجمة للآية الكريمة في سورة النحل : " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ " ، فالتاريخ يروي مناظراتهم مع مخالفيهم من شتى الأديان والمذاهب ، فلم نجد يوما أن إماما منهم قسى في حواره مع الآخر أو عرّض فيهم ، إنما كانت مناظراتهم وحواراتهم كلها حوارات عقلانية تتسم بالحجة والبرهان ، وكانت تلك الحوارات هدفية من باب رحمتهم ورأفتهم بعباد الرحمن .

نستنتج من كل ما سبق أن العنف لا محل له في فكر آل البيت (عليهم السلام) ، إلا حينما يتعلق الأمر بالدفاع بشتى أنواعه (دفاع عن : المبدأ والنفس والعرض والمال) ، ويكون هو آخر الدواء لا أوله ، كما حدث مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ كانت حروبه كلها دفاعية لا ابتدائية وكانت آخر الدواء والعلاج بعد أن نفذت الأساليب كلها مع القوم المشركين ، وكذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي اضطر إلى الحرب حتى أنه كان يكره أن يبدأ القوم بالقتال إلى أن منعوا الماء ، فرجح عليه السلام التفاوض معهم ، إلا أنهم أبوا حينها قال مقولته التاريخية " الموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين " وهنا حارب وسيطر على الماء ولم يمنعه عن من منعه عنه ، وكذلك أبو الأحرار الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء وهو محاصر مع أهل بيته وأصحابه كره أن يبدأ القوم بالقتال إلى أن أتت السهام إلى مضاربه فقام للدفاع ، بعد عدة أساليب لهداية القوم إلى أن بكى سيد الشهداء على أعداءه لأن مصيرهم جهنم ، فهذا هو منهج الحب والرحمة .

يقول الله جل جلاله في سورة القصص " وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ " ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : " طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتد به قبل قيامه يأتم به وبأئمة الهدى من قبله وتبرأ إلى الله عز وجل من عدوّهم. " ، المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بقية الله وسليل العترة المحمدية ، هل سيكون استثناء مما سبق ذكره ؟! فكثيرا ما نسمع الترهيب والحروب حينما يذكر اسمه ومرحلته ، ولكن قبل أن نجيب على هذا السؤال لابد من النظر في مسألة مهمة جدا وردت في الحديث الشريف الآنف الذكر إذ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بشر المؤمنين به قبل قيامة بالخير ، نعم المطلوب هو ذاك شحذ الهمم لظهوره من خلال التمهيد لذلك عمليا ، فالإنسان المؤمن لابد أن يكون واعيا لدينه ملتزما تعاليمه نافعا في مجتمعه مشاركا أمته منتظرا المخلص الذي سيمن الله به على المستضعفين .

نعود الآن إلى التساءل المهم وهو هل سيكون الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) استثناء مما سبق ذكره في المقال ؟! نعم المرحلة المهدوية هي مرحلة استثنائية لا في الإسلام فقط ولا في تاريخ العترة الطاهرة فقط بل هي مرحلة استثنائية في تاريخ البشرية والمعمورة ، وهذه المرحلة الإستثنائية تتطلب تحركا استثنائيا إلا أن التحرك الإستثنائي هل يتطلب الخروج عن المبادئ والقواعد الأساسية ؟! تتنوع الأساليب ولكن المنطلق واحد والهدف هو أن تكون " كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا " ، فالإستثناء في مرحلة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) ليس استثناء من القواعد الأساسية التي تحرك على إثرها آباءه الطاهرون (عليهم السلام) ، فقد اختلفت الظروف الموضوعية في عصور آل البيت (عليهم السلام) فتنوعت أساليبهم في مواجهة تلك العصور ، إلا أن القاسم المشترك هو القواعد الأساسية أي ما يصطلح عليه اليوم (الأيدلوجية) أو الفكر ، وكذلك الهدف الأسمى .

ومن هنا نتساءل أين الأمة من ذكر عبادة المهدي (عجل الله تعالى فرجه) ، أين هم من ذكر رحمته ورأفته بالمؤمنين إذ أنه يشكل الأمل لهم ، أين هم من ذكر ما ورد من محاولاته لهداية العالمين إلى أن ينزل السيد المسيح (عليه السلام) ليشكل التكامل مع صاحب العصر والزمان في الدعوة إلى الله فتتكامل الأمة الإلهية في أن يهدي السيد المسيح (عليه السلام) أمته إلى الصواب والقسط في الأرض ، نعم ستكون هنالك المعركة الخاتمة التي ستفصل بين الحق والباطل ، وترجح كفة الحق ويتحقق الوعد الإلهي ، إلا أن هذه المعركة الحاسمة هدفها هو رحمة للعالمين ، فالمستشهدين بين يديه – وطوبى لهم – حتما سيفوزون فوزا عظيما ، والمنتصرين معه سيشهدون دولة الحق ، إذ أن النفوس تواقه إلى بسط القسط والعدل في المعمورة ، بعد هذا كله (هل المهدي إلا الحب؟!) .