كم حصان طرواده ؟

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


قصة حصان طروادة قصة شهيرة وردت في التراث الأدبي اليوناني وتحديداً في الإلياذة، وهي باختصار شديد تتحدث عن حصار مدينة طروادة من قبل الإغريق بسبب خلاف نشب بين الإسبرطيين ومدينة طروادة، واستمر ذلك الحصار لأعوام إلى أن دب اليأس في نفوس جند الإغريق، فابتكر أحدهم حيلة الحصان الخشبي كهدية إلى الآلهة وانسحب الإغريقيون إلى البحر، ففرح أهل طروادة بذلك وجروا الحصان بمظاهر احتفالية إلى داخل المدينة، إلا أن الحصان هذا كان بتعبيرنا اليوم مفخخاً، إذ كان مليئاً بجند الإغريق الذين ما إن نامت أعين أهل طروادة، قاموا لفتح بوابة المدينة لبقية الإغريقيون وتم حرق مدينة طروادة وقتل أهلها، وانتصر الإغريقيون بهذه الحيلة.

هذه القصة يعتبرها بعض المؤرخون إسطورة لم تحدث إنما وضعت كحكمة يُستفاد منها، وهذا هي حال التراث الأدبي والفلسفي اليوناني، وعلى قدم هذه الحادثة أو الإسطورة إلا أن الحيلة المستخدمة فيها ما زالت فعالة بشكل مذهل إلى يومنا الحاضر، إذ تستخدم في الميادين السياسية بين الدول في الساحة الدولية، وفي الدولة نفسها أيضاً، ولكن طبيعة الدولة تحوي فئات عديدة، وكل فئة في حاجة إلى حصان طروادة مطلي بلون تعشقه تلك الفئة، وليست الكويت استثناء من ذلك.

تقسيمات المجتمع الكويتي يعرفها الجميع ولا حاجة لسردها، لأن سردها أصبح يثير في الجميع حالة من الاشمئزاز، ولكن ليس من تلك الفئات إنما تلك الحالة ناتجة عن الاستغلال البشع لهذه التقسيمات في بث الفتنة وتأليب كل فئة على أخرى، فليس عيباً أن يكون المجتمع مكونا من فئات عدة لأن طبيعة البشر هي الاختلاف، ولكن العيب هو تحويل الاختلاف هذا إلى خلاف وشقاق من خلال استغلال الاختلافات تلك، وصرف الأنظار عن المشتركات، وتلك الحالة أصبحت مشخصة من قبل الجميع وعلاجها أصبح متوافراً ومعروفاً.

السؤال هنا كم حصان طروادة أدخل على هذه الفئات؟! ففي الانتخابات البرلمانية صار لكل فئة حصان وإذا استعصى الأمر فكان هناك أكثر من حصان، وليس شرطاً أن يكون هذا الحصان ترهيبياً بل ابتكرت السياسة الكويتية حصان طروادة ترغيبي بكل الوسائل المشروعة واللا مشروعة، وبعد قانون المطبوعات الجديد أيضاً تم توزيع حصان طروادة على كل الفئات بأشكال زاهية تبهر الناظرين، وكلها تصب في خانة واحدة وفي جهة واحدة، وهكذا في المجالات كلها.

هذه الحالة سلبت الساحة السياسية الكويتية العمل السياسي الراشد، وسلبت البرلمان دوره المنشود في الرقابة والتشريع، وحولت الصحافة إلى مكتب محاماة يفزع في حال تعرض صاحب الاسطبل إلى انتقاد أو هجوم، فصارت الحياة السياسية والبرلمانية حياة رتيبة يعرف الجميع بدايتها ونهايتها، لذا أصبح الإصلاح الجذري الشامل ضرورة ملحة لترشيد العمل السياسي في الكويت من خلال وضع الكويت على مسار استراتيجي شامل تعمل من خلاله الحكومة، ويراقب المجلس هذا العمل، ويشرع من خلالها النواب.