جمعية الدين !! للعقلاء





كتب الأستاذ جعفر رجب مقالًا تحت عنوان "العاقل لا يقلد الأحمق" نقد فيه الممارسات الشعائرية المنتشره ، مقارنًا بين جيل الثمانينات والجيل الحالي ، بعد أن اعتبره جيلًا فكريًا ذهبيًا .. بعد التحية والتقدير للأستاذ جعفر رجب نقول ،، 

أي محاولة لفصل الفكر الديني والخطاب الإسلامي عن شعائر الله ، نكون قد ارتكبنا أبشع انتقائية ، إذ الدين كلٌ متكامل ، وما الممارسات الدينيه المتخبطة تحت عنوان "الدين هو الحل" إلا نتاج مثل هذه الإنتقائية ، وأحيانًا التقاطية فكرية ، دين الله شريعة كامله  لا جمعية تعاونية ، أختار ما شئت وأترك ما شئت ، وليس تراثًا بشريًا كي أنتقي منه ما يعجبني وأرفض الآخر ، أو ألجأ للتأويل ، وليّ ذراع النص بما لا يحتمله ، كي يوافق الهوى والمزاج !! 

الفكر الإسلامي وشعائر الدين يغذي كلٌ منهما الآخر ، فالدين يخاطب الإنسان في كل جوانبه لا العقل فقط !! هذا العقل الذي بات الإسراف في قيمته مرض آخر إلى جانب مرض تأجيره للرموز فضلًا عن إهماله !! فإذا جهل الممارسين أن هذه الشعائر مفلسفة ، فهذا خطأ الممارسة ، لا خطأ الأصل كي تُنتقد مصاديقه !! والحديث عن الممارسات حديث ذو شجون وغصص ،  فتفريغ الشعائر من مضامينها أو تحريفها ، أو الجهل في مضامينها بل والجهل أن لها مضامين لتتحول عند البعض عادات !! هي البلوى التي ينبغي أن تُنقد ، أما الأصل لا ينقد بعيب الممارسة أبدًا ، ولا أجد مسوغًا لنقد الأصل في هذه الحالة فهذه مغالطة لا يقبل بها عاقل !! 

من مفارقاتنا المضحكة المبكية ، أن المثقفين أصحاب الصحوة التي يأسى عليها الأستاذ جعفر ، كانوا ومازالوا ينقدون التيار التقليدي - إن صح التعبير- كونهم حسب الزعم يتبعون النصوص الشرعية والفقهاء ،  بلا عقل ولا مناقشة ، وبالأمس واليوم هؤلاء هم عبدوا (الشهيد الصدر ، والشهيد مطهري ، والدكتور شريعتي) ونصوصهم ، وصاروا من مقدسات أصحاب الصحوة الذين لا يُنقدون ، بينما كلا الممارستين تؤديان إلى نتيجة واحدة هي التطرف إما إفراطًا أو تفريطًا !! والأبلى من ذلك أننا أمة تقدس الأموات فلا نرى المفكر والفقيه ووو إلا إذا رحل ، حينها فقط نقرأ تراثه !! وإلا فبين ظهرانينا مفكرين مجددين بجانب فقهاء نحارير .. كتبوا وخطبوا وقالوا ، ولكن قاتل الله أمراض العقول كم تظلم !!

قيم الثورة الحسينية ومبادئ النهضة الكربلائية ، مازالت في بال هؤلاء الفقهاء والمفكرين ،  وإن كان هناك من قصور أو تقصير ، فيقع على أمة إقرأ التي لا تقرأ بل ولم تعد تسمع حتى ، وإن سمعت فمرضها بإرادتها وقبل ذلك فهمها ، ومع ذلك لا نخلي طرف العلماء والمفكرين بشكل كامل من المسؤولية ، والشعائر التي ينقدها أصلًا لا ممارسةً الأستاذ رجب ، هي الإعلام والصوت الذي يسيّج القضية بقيمها ومبادئها ، ولمثل هذا ابيضت عينا يعقوب من الحزن ، ليس مجرد ابن ضاع !! قاتل الله السطحيه ، بل لأن ولي الله ضيعوه وضيعوا دينه ، فالبكاء وكافة الشعائر هي الباب للدخول على مثل هذه المبادئ والقيم ، ولا ذنب لها في من يقف على الباب ويُعجب بالسياج !! بل وعلى الرغم من هذا الوقوف السلبي ، الشعائر هي التي ستحيي الأمل يومًا ما ، لأنها تحفظ القضية ، دخل الداخلون أم وقفوا عند السياج والباب .. فالحرارة الحسينية في الصدور التي يُلطم عليها جزعاً على المصاب ؛ هي الحرارة التي ستبلغ بقيم نهضته إلى إظهار نور الله في ارضه !

عاشوراء .. صراعات الفهم وحرمة الموسم!

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



النص .. أي نص كان ، يختلف في فهمه القراء والسامعون ، وعلى الفهم تُبنى النظرات والنظريات ، نعم لذلك أسس خاصة حسب النص ، فالنص الديني له أدواته والنص الفلسفي له أدواته والنص التاريخي له أدواته وهكذا بقية النصوص ! فالإختلاف هنا ليس حقًا مطلقًا لكل أحد ، نعم؛ ليس حقًا لكل أحد أن يتكلم في كل مجال ومنحى وعلم باسم الحرية ، التي أصبحت مع اعتذاري للقارئ عنوان لكل عهر فكري - إن صح إطلاق فكري عليها - فالحرية ليست مطلقة في ظل وجود عقل وعقلاء ، بل هي حالة بهيميه ، نعم الكثير يكتبها ويرددها - أن الحرية محدودة - ولكنه في واقعه يحاول ممارسة حريته المطلقه ولو على مستوى الحديث والتنظير في كل شأن !! ولعمري هذا من شأن السفاهة والسفهاء لا الأحرار .

على ذلك فإن اختلافتنا كلها تنشأ من صراع الفهم السابق ذكره ، إما لتصدي من لا يملك أدوات الفهم للتفسير والرأي ، وهذه أم مصائبنا وجذر بلائنا ، الذي ينبغي أن يوضع له حد ، وإما لإختلاف أهل الإختصاص في الفهم ومثل هذا الإختلاف هو حالة صحية ، يتمكن من خلالها عوام الناس  - فلكل علم علماء يكون الناس عوامًا بالنسبة له - اتخاذ موقف وتشكيل رأي ،  باللجوء إلى عقولهم في تمييز كلام أهل الإختصاص ، ومن هنا تتكون اتجاهات العامة في كل شأن كما هو المفروض لا الواقع للأسف ، نعم الحقيقة واحدة ،  ولكن من يدعي ملكها واقعًا سوى المعصوم فقد افترى وخان علمه إن كان له علم ، اذًا الاختلاف واقع لابد أن نعيشه ولا يمكن رفعه ، وعليه لابد لنا أن نتعلم أدب الإختلاف وفنه ، وعمدة ذلك عدم محاولة فرض رأيك على الآراء أولًا ، وثانياً احترام الآخر والنأي حتى عن  التفكير بإقصاءه فضلاً عن محاولات الإقصاء والإلغاء اللاأخلاقيه ، هذا هو أدب وفن الإختلاف لا مجرد مصطلحات منمقه تحمل سمًا منقعًا في طياتها تسم الواقع الفكري ، فليست الشدة في الكلام قلة أدب وليس الأدب الكلام اللطيف في ظاهره ، وباطنه يحوي معاني الإقصاء والإلغاء للآخر . 

عاشوراء .. حدث تاريخي يحوي نصوصًا دينية وتاريخيه ، لعلمائنا وفقهائنا ومفكرينا آراء وآراء وآراء ، وقد اختلفوا في ذلك اختلاف المشرق عن المغرب في مواضع عدة ، وعلى هذا الإختلاف فُرزت الساحة وانقسمت الجماهير ، وأقولها بصراحة فإن هذه الجماهير اختلفت - في كثير من الاحيان - والمواضع بلا أدب وفن الإختلاف السالف ذكره  من محاولات فرض الرأي ومحاولات إلغاء الآخر ، وذلك بشحن الساحة بفتن تلو الأخرى في الموسم العاشورائي ، فكلٌ يريد ابراز فتوته وسيطرة نظرته ونظرياته على الساحة ، دون مراعاة صراع الفهم المفروض علينا واقعًا ، وبذلك كم صارت الساحة بعيدة عن الإمام الحسين (ع) وعاشوراء ، لن أخوض في تفاصيل اختلاف النظرات لعاشوراء لأن ذلك أصبح معلوم ومبحوث في مواضعه ، ولكن أصرخ هنا ارحمونا من التفريط ، بالتشكيكات بلا مستند عقلي ونقلي ، بل لمجرد استحسانات تسمى مجازًا عقليه ، وارحمونا من الإفراط بالمزايدات على الآخر ، ولنتوجه للحسين (ع) الذي نعرف ولندع للآخر ما يعرف ، فإن وضعت في عقلك أن الآخر يستحيل أن يحمل حقًا فقط ضللت ضلالًا بعيدًا !!

عاشوراء بين الثورة والمصيبة !! الشعائر الحسينية ومصاديقها !! تكليفنا في العشرة الأولى !! مواضيع المنبر والخطباء !! مظاهر إجابية أو سلبية هنا وهناك !! ..... وعناوين أخرى هي مثار جدل سنوي ينتهك الذكرى ،  وذلك لشراسة وعنفوان المختلفين في الإقصائية والإلغائية ، لن أناقش أي تفصيل لأي واحدة من هذه العناوين ،  فلكل منها له مباحث  ، ناقشها علمائنا ومفكرينا أهل البحث والمناقشة ، ( سأطرح بعض المصاديق فقط كمثال ولن أخوض في نقاشها في آخر المقال) ، وإذا أردنا استعراضها بانصاف سيطول بنا المقام ،  في عرضها وأدلتها ورد بعضها لبعضها ، ولست هنا لأكتب أن الحق هاهنا في هذه العناوين والمواضيع وألغي نظرك الآخرين ، فالجرح عميق غزير لعله قتل روحيه الكثير في الموسم ، واغتال اخلاصهم في أعمالهم ، إنما أنا هنا لأناشد وأصرخ في كل من ينسب نفسه للحسين (ع) - الحسينيين - فلـنَتعبّد في فهمنا وشعائرنا ، ولنحفظ حرمة الآخر الذي نختلف معه ، وإن أردنا نقد  السلبيات فذلك له مكانه وزمانه وخارج ذلك يؤدي لمفسده ، ولنضع دومًا في بالنا وخياراتنا أننا قد نكون مخطئين ، وأن الآخر قد يكون على حق ، وقد يرى  هذه السلبيات التي ننقدها ايجابيات !! والأهم من كل ذلك  مهما اختلفنا ، لنحفظ حرمة الموسم العزائي المقدس خصوصًا في ليلة الفاجعة ويومها بل وكل الموسم !! 

قبل أن أختم مقالي وكلامي الذي - يعلم الله جل جلاله إني أوجهه لنفسي أولًا ثم لجميع إخواني ، خصوصًا أن في مثل هذا الموسم تكون عواطفنا جياشه وغالبه على أحوالنا لطبيعة الموسم - أود أن أشير لأمثلة لأكون أكثر صراحةً وشفافية ، فليس المقام مقام الإشارة والتلميح ، فأجلى الأمثلة هي شعيرة التطبير ، والتي يتجدد الجدل حولها سنويًا  بلا جدوى - وبالتالي يبطل الكلام فيه لانتفاء الاثر كون المفروض أن الهدف من الحديث أمر بمعروف أو نهي عن منكر لكلا الطرفين - ولأن كل اتجاه يملك أدلته التي يقتنع فيها ، نعم لا بأس من النقاش بقيد العلم والفهم سواء من أهل التخصص أو الأخذ منهم ومراعاة الزمان والمكان ، أما التهريج الذي حول القضية إلى فريقين ،  ولكل منهما جماهير تصيح وتشجع على طريقة الأندية ، هذا التهريج مرفوض قطعًا ويقينًا ، فهو فضلًا عن انتهاك الموسم وقدسية المرتبطات به ، فهو إمعان في اهانة مراجع الدين العظام الذين اختلفوا - وهم أهل التخصص - في مثل هذه القضية ، فإن كنا مطبرين أو لاطمين أو باكين فليكن ذلك كله مخلصًا لله جل جلاله لا عنادًا على هذا وذاك !! ولنترك للآخو خياراته ونقول له بكل أريحيه : تقبل الله .... وهكذا بقية الموضوعات كالتي طرحت في موسمنا المنصرم (قضية توزيع البركة في الشوارع) التي حاول البعض فرض رأيه من خلال خلق جو معارض بطريقة لا أخلاقيه اتهمت الناس في تدينهم وحسينيتهم ، وركز على سلبيات مغفلًا أي ايجابيات ، وترك الآخر بلا اخلاص !!! وكذلك قضية (الممارسات السلبية) مثل الإختلاط في بعض الحسينيات ، فلابد من التوجيه بالتي هي أحسن في مثل هذه القضايا الحساسة ، لوقف هذه الظاهرة المزعجة جدًا دون انتهاك الآخر ، فالغلظة هنا أحيانًا توصل الناقد للطعن في الناس وأعراضهم وهذا ما لا يقبله شريف ! 

ختامًا أدعو الله عز وجل أن يتقبل منا موسمنا ويعوده علينا في سلامة من ديننا معزين لمولانا الحجة (عج) بجده الحسين (ع) . 



محمد حبيب المحميد
١٢ محرم ١٤٣٤
٢٧ / ١١ / ٢٠١٢