درب الحسين

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


عندما خرج ذلك الموكب من مكة المكرمة راحلاً عن بيت الله، ملبياً نداء الله عز وجل، حاول بعض الصحابة والمحبين ثنيه عن المسير، إلا أن صاحب الموكب الإمام الحسين (عليه السلام) أصر على الاستمرار في مسيرته بموكبه بما فيه، لأن نظرته خرقت جدار الزمن لتتدبر في نتائج الحوادث التي ستقع، وبالفعل رغم عدم تكافؤ ميزان القوى المادي إلا أن الدم انتصر على السيف، فكانت تلك الثورة ملهمة للبشرية بكل أطيافها.

ولعل الأسباب في ذلك النصر المؤزر لأبي عبدالله (عليه السلام) عديدة إلا أن أهمها هو الإيمان بالوعد الإلهي، وحمل المبادئ والقيم الإسلامية التي كان يمثلها الإمام الحسين للإصلاح في أمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ قال عليه السلام: «إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً، ولا ظالماً، ولا مفسدا إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي». لذلك انقلبت الموازين في أن خلد الحسين والثلة الطاهرة التي ناصرته إلى اليوم.

وهكذا على مر التاريخ استسقى المناضلون والمقاومون من الحسين (عليه السلام) كيفية المواجهة، حتى قال المهاتما غاندي: «تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر». وهناك في جبهة المقاومة مع الصهاينة انتصرت المقاومة اللبنانية انتصارات عدة، استبسل فيها أبناء الحسين (عليه السلام) بعد أن استلهموا من ثورته الصمود والإباء، وأن «الموت لنا عادة، وكرامتنا من الله الشهادة». وتحقق بذلك انتصار الدم على السيف مرة أخرى.

واليوم إن كنا نبحث عن نصر وعزة، لابد من اقتفاء درب الحسين بن علي (عليه السلام)، فمهما بلغ حجم التحدي والتعدي، فلن يكون أكبر من حجم المبادئ والقيم الباسلة في النفوس الحسينية، هكذا علمنا التاريخ وسننه، وهكذا علمنا القرآن الكريم إذ قال الله عز وجل في سورة البقرة آية 249: «قال الذين يظنون انهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين».

1369

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



عظم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بسيدنا ومولانا أبي عبد الله الحسين جعلنا الله وإياكم من الطالبين بثأره مع الإمام المنصور المؤيد المهدي من آل محمد .
غريب حقا أن يستمر مأتم ما إلى 1369 عاما متواصلا دون توقف ، وعجيب أن تبذل الدماء من أجل إقامة هذا المأتم ، ولكن الغرابة تزول والعجب ينتهي حينما يبدأ الناعي بذكر مصاب الحسين (عليه السلام) ، لأن المآتم أقيمت لهذا الرجل منذ أن بدأت الأرض فلا عجب أن يستمر المأتم إلى أن يرث الله الأرض وما عليها ، بل حتى في النشأة الأخرى ستنصب المآتم لأن حرارة قتل الحسين (عليه السلام) أبدية كما عبر رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : " إن لقتل الحسين حرارة لا تبرد أبدا " .

إن من السنن الإنسانية في الأمم السابقة سواء التي كانت ذات ديانات سماوية أم لا ، هي سنة تخليد العظماء ، إذا يتخلد معهم قيمهم ومبادئهم ، ولما كان الحسين (عليه السلام) عظيم العظماء للعديد من الأسباب لعل أبرزها تضحيته الفريدة ، كان أن تخلد في كل الأمم غربها وشرقها ، أولها وآخرها ، حتى أصبح يبكي عليه المسيحي مشاركا المسلم ، ويستشهد به الهندوسي والغربي لينتصروا في مواجهة الظلم والطغيان .

يقول الإمام الصادق (عليه السلام) : " الحسين عَبرة وعِبره " ، أي إن ذكرى الحسين كما تثير عاطفة المؤمن وتضرم النار في جوانحه ، إلا أنه لابد أن يتوقف عند كل لحظة من لحظات المعركة التي جسدت الإنسانية منذ المبدأ إلى المنتهى ، ليأخذ من كربلاء دروسا لم ولن توجد إلا في هذه القطعة من الأرض ومن تاريخ الإنسان ، لأن شخص مثل الحسين تضحيته تكون بحجم شخصيته العملاقة التي يقول عنها سيد البرية وإمام البشرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : " حسين مني وأنا من حسين " .

ومثلما يتأمل المؤمن في عِبر عاشوراء لابد له من ذرف العبرات على الفاجعة العظمى والمصيبة الكبرى التي بكت لها الأرض والسماء ، فدلالة المحبة والمشايعة الحزن السرمدي على فقد الحبيب ، وأي حبيب على قلب المؤمن كالحسين (عليه السلام) ، فشعائره اليوم هي التي حفظت الدين وأوصلته لنا وستوصله إلى أن يظهر صاحب الأمر ويطلب الثأر ، وهذا معنى حديث رسول الله المذكور في البداية ، إذ الحرارة في قلوب المؤمنين ستترجم في عصر الغيبة إلى أفعال تنصر الإمام المهدي (عج) .